مراحل تطور البنطلون أو تاريخ تطور البنطلون، هو تتبع مرافق للخط الزمني الموازي لمراحل تطوره من حيث التغيرات التى تتعدى كونها بعض التغيرات البسيطة سواء كانت في التصميم أو القصة أو الخامات التي يصنع منها وذلك منذ العصور القديمة الى يومنا هذا 

لا يصح النظر الى تطور البنطلون من منطلق كونه مبحث يتعلق بمجرد تطور زي معين، فالأمر يمتلك أبعاد أخرى ذات عمق كبير، فنحن نتحدث عن القطعة الأكثر شيوعا في العالم بلا منازع في العصر الحديث، والتي يتم استخدامها من قبل الرجال والنساء على حد سواء كواحدة من الأزياء النادرة التي تمتلك تلك السمة، ولا يرتبط الاعتماد عليها بأي محدد اجتماعي أو ايدولوجي، بل تقريبا يستخدم البنطلون من قبل جميع أفراد المجتمعات الحديثة على اختلاف نشاطاتهم واحتياجاتهم 

 

ولذلك فتتبع تاريخ تطور البنطلون يمثل تتبعا لتطور الأزياء الناتج عن تطور الإنسان بحد ذاته وتطور تكيفه مع المؤثرات المحيطة به وتفاعله معها من خلال نشاطاته المختلفة، فمن المجحف أن نصنف هذا المبحث على أنه متعلق بالأزياء والموضة فقط، بل هو مبحث هام يوغل في أعماق السيكولوجيا والأنثربولوجيا 

 

:بداية ظهور البنطلون  

 

تذهب بنا محاولة رصد أول ظهور للبنطلون بشكله المعروف الى السجلات التاريخية التى تدون اكتشاف قطعة بنطلون في أحد المقابر بغرب الصين الحديثة والتى يرجع تاريخها الى فترة حكم سلالة جاو الصينية وتحديدا ما بين القرنين الثالث العشر والعاشر قبل الميلاد، وهذه القطعة النادرة صنعت من الصوف وكان الغرض منها بالأساس هو استخدامها لتسهيل ركوب الخيل من قبل الخيالة والفرسان 

وانطلاقا من هذه النقطة وبمرور الوقت انتقل الى بعض الشعوب التي احتكت بالصين القديمة في تلك العصور، فعرفته واستخدمته الشعوب الإيرانية وتحديدا السكيثيون ( القرن 8 ق م ) والأخمينيون ( القرن 6 ق م ) ، ومنه انتقل الى أوروبا من خلال الترك والهنغاريين الأوائل في بدايات العصور الميلادية 

 

 :البنطلون في العصور الوسطى 

 

عرف البنطلون انتشارا على نطاق واسع بمجرد اتمام الألفية الأولى، ومع القرون القليلة التالية لها ظهر البنطلون في مساحات جغرافية أبعد من شرق أوروبا حتى وصل الى الشعوب الألمانية والفرنجة في الغرب وتعداهم الى الشعوب الأنجلوسكسونية والسلتية في الجزر البريطانية، حتى وصل الأمر بحلول العام 1600م لإعتماد أوربا بأكملها تقريبا على البنطلون وانتقل منها الى سائر بقاع العالم مع توسع الأوروبيين في عصر الكشوفات الجغرافية وخصوصا الأمريكتين وأستراليا 

في بداية تلك الفترة لم يكن البنطون يصنع من قطعة واحدة، وإنما اعتمد تصميمه على قماشتين بشكل أنبوبي مناسب للساقين وكانا تربطان معا من الأعلى بقطعة تسمى الدوبليه، وكمرحلة تالية تطور التصميم الي القطعة الواحدة ذات الفتحة الأمامية التي تغلق بأزرار أو سحاب كما نعرفه الآن، والملاحظ هنا أن طول البنطلون المعروف لنا تلك الأيام والذي يصل الى أعلى الكعبين لم يكن مفضلا على الإطلاق من قبل الطبقات الأرستقراطية، بل فضلت تلك الطبقات البنطلونات الأقصر والتي تنتهي أسفل الركبة بقليل

 

:ابتكار البنطلون الجينز 

 

يرجع البعض ظهور البنطون الجينز الى القرن السابع عشر وتحديدا في بريطانيا، إلا أن الظهور الموثق وتسجيل براءة اختراع البنطلون الجينز كانت في الولايات المتحدة الأمريكي في العام 1873م من قبل ليفي شتراوس ويعتبر هذا التاريخ من قبل الكثيرين العلامة الفارقة التي مهدت لوجود البنطلون وخاصة المصنوع من الجينز في كل خزانة ملابس في أي مكان في العالم في الوقت الحالي 

تتحدث قصة الإختراع عن ربة منزل وأم لستة بحارة كانت تعاني من التمزق الدائم لملابسهم بحكم طبيعة عملهم الشاق المتطلب للحركة الدائمة، فطلب من شتراوس أن يصنع لهم بنطلونات من قماش أشرعة المراكب والذي يتميز بطبيعة الحال بالمرونة والقوة والتماسك في نفس الوقت لكي يستطيع أن يقاوم تيارات الرياح العاتية في أعالي البحار، وبالفعل شرع شتراوس في تنفيذ طلبها وعند انتهاؤه أطلق على بنطلونه الجديد المبتكر أسم جينز تيمنا بمدينة وميناء جنوة الإيطالي والذي كان يأتي منه هذا القماش الى الولايات المتحدة الأمريكية في تلك الفترة 

لاقى الجينز أو الإختراع الجديد لشتراوس رواجا كبيرا بين البحارة والرعاة وعمال المناجم والطبقات التي تقوم بالأعمال الشاقة عموما، فكان استخدام الجينز في ذلك الوقت مقتصرا على الطبقات الدنيا الكادحة، ولكن استمر في اكتساب الشعبية واستمرت أرباح شتراوس في النمو الى أن قام في 20 مايو 1873م بتسجيل براءة اختراعه وذلك بعد أن أضاف بعض التعديلات للتصاميم الأولية لزيادة المرونة والقوة في نفس الوقت ومنها على سبيل المثال وضع مسامير معدنية في المناطق المعرضة للقطع لكي يقلل نسبة تعرف البنطلون الجينز للتمزق، وبداية من هذه الفترة بدأ البنطلون الجينز في غزو العالم 

 

 :البنطلون في العصر الحالي 

منذ ذلك الوقت ارتبط البنطلون بشكل عام بالبنطلون الجينز على وجه التحديد، فعلى الرغم من وجود خامات وتصميمات مختلفة من البنطلون غير الجينز، ولكن يمكننا الجزم بأن ما يتبادر الى ذهن الجميع حين نذكر البنطلون هو البنطلون الجينز، وهذا الأمر لم يبنى بين ليلة وضحاها وانما التنوع الكبير بين تصميمات البنطلون الجينز في حد ذاتها إضافة الى العديد من الصيحات المتزامنة والمتباينة والتي رافقها البنطلون الجينز كعنصر مؤثر أساسي فيها كان لها العامل الأساسي في هذا الإنتشار 

فمثلا ظهور البنطلونات ذات الخصر العالي والتي تمثل السمة الشكلية المميزة التي رافقت حركة الهيبز في سبعينات القرن الماضي لاقت رواجا كبيرا، وأيضا ظهور البنطلون الضيق مع حركة البانكس التى غزت أوروبا بأفكارها الموسيقية والسياسية، ولا يمكننا أيضا أن نغفل الشارلستون الذي ظهر بين أوساط مغنيي الجاز وجمهورهم .. الخ 

 

جميع تصميمات الجينز تقريبا تمتلك قصة ما لابتكارها، قد لا يكون ذلك ذو أهمية كبيرة، ولكن المهم حقا هو أنه اليوم يكاد يكون لا يوجد إنسان على وجه الأرض لا يمتلك بنطلونا واحدا على الأقل

Author: Tomato